عاد سماسرة الانتخابات إلى واجهة الأحداث بتراب إقليم ابن سليمان، بعد أن دقت طبول الانتخابات التشريعية الجزئية. وعادت معها كل آليات الفساد والاستبداد، التي يحركها ناهبي المال العام والموالين لهم. وبدأت المناورات الابتزازية أو الاستفزازية والإغوائية والتوسلية.. رؤساء جماعات مهددون بفقدان مناصبهم، ومنتخبون مهددون بفضح تجاوزاتهم وفسادهم، وسماسرة وجدوا في سوق الانتخابات السوداء فرص من أجل التفاوض وفرض أسلوب المزايدات، ولسان حال كل واحد منهم يؤكد أن وراءهم قطيع من البشر، يؤمرون بأوامرهم وتعليماتهم..
في الواجهة، ولحد الساعة اسمين بارزين، يتعلق الأمر بمحمد كريمين الذي سيحاول استرجاع مقعده (هذا إن لم تحدث بعض المفاجآت يوم 10 أكتوبر حيث جلسة متابعته ومن معه، في ملف الفساد العقاري). كريمين الذي يجد صعوبة في التواصل والتفاهم مع مناضلي الحزب بإقليم ابن سليمان. بحث عن منفذ آخر. ومصادر أكدت أنه حاول الانضمام لحزب التجمع الوطني للأحرار. وأنه وفي ضل الوضع الحالي لحزب الاستقلال، فإنه يصعب عليه الحصول على (الطرد) من الحزب، وحتى وإن بدأ مسطرة طلب (الطرد) من أجل الحفاظ على منصبه على رأس بلدية بوزنيقية. فإن المسطرة ستطول، ولن يتسنى له الحصول على تزكية حزب آخر.
كما يتعلق الأمر بسعيد الزايدي الذي من المؤكد ان حصل على (الطرد) من الحزب الذي نجح باسمه على رأس جماع الشراط، وأنه التحق بحزب التقدم والاشتراكية. وحصل على التزكية من أجل الترشح للانتخابات الجزئية. وبذلك يكون قد أخذ مكان البرلماني السابق كريم الزيادي المعروف ب(ولد القياد). والذي لن يجد من سبيل سوى دعم مرشح حزبه، والاحتفاظ بمنصبه كنائب أول لرئيس جماعة ابن سليمان، ومسؤول عن قسم التعمير. ولو أنه لم يعد يهتم بمنصبيه، وأنه اختفى عن المجلس البلدي منذ سقوطه في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016.
تأكد كذلك ان امبارك العفير رئيس جماعة المنصورية باسم حزب الأصالة والمعاصرة، لن يخوض غمار هاته الانتخابات الجزئية. والتأكيد جاء على لسان الرئيس في اتصال ببديل بريس.
ولم يعرف بعد القرار النهائي لحزب العدالة والتنمية، بخصوص الترشيح من عدمه. إذ يضغط المكتب الإقليمي من أجل تقديم مرشح له، وسيكون في الغالب إما محمد القادري أو اسماعيل لطف الله عن المكتب المحلي لمدينة ابن سليمان، باعتبار أن مدينة بوزنيقة نالت نصيبها من البرلمان في شخص محمد بن جلون. المكتب الجهوي ومركز قرار الحزب لم يحسما في الأمر. وهناك احتمال عدم خوض الانتخابات الجزئية، ودعم مرشح الأغلبية (سعيد الزايدي)، الذي سبق وظهر قبل الانتخابات التشريعية، جنبا إلى جنب مع أمين عام حزب المصباح عبد الإله بنكيران، وفي اجتماع مغلق بين مناضلي الحزب فقط. كما ان حزب التجمع الوطني الأحرار، لن يقبل منسقه الإقليمي وبرلماني الدائرة حسن عكاشة، بدعم أي مرشح آخر. قد يزاحمه مستقبل في الحصول على تزكية الترشيح. وسيكون عليه اتخاذ الحياد. وهو موقف مستبعد، لاعتبارات سياسية ومصلحية، سيختار الأحسن منها وينحاز إلى كف أحدهم…
وهذا لا يعني أنه ليس هناك مرشحين آخرين. لكن واقع الحال، وفي ضل ضعف الإقبال على التصويت الذي عادة ما يصاحب الانتخابات الجزئية. فإن الولاء سيبقى ل(مول الشكارة) و(مول قفة والحريرة).. وأن الصراع سيقتصر بينهما..
فقد أعلنت وزارة الداخلية عن عزمها إجراء الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ابن سليمان، يوم الخميس ثاني نونبر 2017. من أجل التنافس على المقعد البرلماني الشاغر بعد أن تمت الإطاحة بصاحبه السابق الاستقلالي محمد كريمين رئيس بلدية بوزنيقة، بقرار من المحكمة الدستورية بالرباط. وعلم بديل بريس أنه تم تحديد يوم 15 أكتوبر 2017، كموعد لبداية وضع الترشيحات بقسم الشؤون العامة بمقر عمالة ابن سليمان، وإلى غاية منتصف ليلة يوم 20 أكتوبر. على أساس أن تنطلق الحملة الانتخابية صباح اليوم الموالي، وإلى حدود منتصف ليل فاتح نونبر.
وسبق لتحالف فيدرالية اليسار بابن سليمان أن كشف في بيان له عن ما اعتبره تورط بعض أعوان و رجال السلطة و جل المنتخبين في دعم مرشحين بعينهم، وأكد على أنه تم الاستعمال الفاضح لكل الوسائل غير المشروعة لاستمالة الناخبين من دين و مال و خيام و وعود. كما قام رؤساء الجماعات المرشحين و المساندين لهم باستغلال برامج الجماعات و خدماتها.والضغط على الناخبين بالتصويت لصالحهم. وانتقد التفرج الفاضح للسلطات الإقليمية و المحلية و المصالح الأمنية على الخروقات التي عرفتها العملية الانتخابية طيلة أيام الحملة و يوم الاقتراع. كما انتقد تسخير العصابات و ذوي السوابق العدلية للتضييق على مجموعة من المرشحين و منعهم من الدخول لمناطق معينة. واستنكر التحالف عدم التعاطي الجدي و المسؤول مع شكايات المرشحين من طرف المسؤولين على تتبع العمليات الانتخابية بالإقليم. وختم المجلس اليساري بيانه باعتبار المحطة الانتخابية الأخيرة كانت مهزلة بكل المقاييس. موضحا أنها (أي تلك الانتخابات)،عبرت مرة أخرى عن زيف ادعاءات المسؤولين بالسهر على نزاهة الانتخابات و مصداقيتها. واستنكر استمرار كل الأساليب التي أفقدت العملية مصداقيتها و ساهمت في نفور المواطنين و ثنيهم عن الانخراط فيها. كما يستنكر الحياد السلبي و تورط السلطات العمومية بهدف تحقيق النتائج المخطط لها سلفا. ونوه التحالف بموقف المواطنين الشرفاء الذين قاوموا كل الممارسات المخلة بنزاهة الانتخابات و ساندوا لائحة فيدرالية اليسار الديمقراطي بالتصويت عليها.
ونعم أن دائرة إقليم ابن سليمان تصدرت الدوائر الانتخابية الأكثر فسادا واستبدادا، وتمكنت من انتزاع الرقم القياسي الوطني لعدد الانتخابات التشريعية الملغاة كليا أو جزئيا، بإلغاء خمس انتخابات من أصل سبع انتخابات تشريعية عرفتها الدائرة منذ تأسيسها سنة 1977. بداية بالولاية التشريعية الخامسة (1993/1997)، التي جاءت مباشرة بعد دستور 1992. وحتى الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016، التي عرفت أخيرا، إلغاء مقعد برلماني يعود لحزب الاستقلال. حيث قضت المحكمة الدستورية بتحديد موعد لاحق من أجل تنظيم انتخابات جزئية. واعتمدت في حكمها على تهمة ( توزيع منشورات انتخابية تضمنت صورته بمفرده، دون الإشارة إلى كونه وكيل لائحة الترشيح،ودون ذكر أسماء باقي المترشحين باللائحة المعنية وترتيبهم)… وحدها الانتخابات التشريعية التي جاءت مباشرة بعد دستور 2011، هي التي أريد لها أن تمر بدون طعون.. حفاظا على ماء وجه هذه المنطقة العذراء التي استباحها البعض وفرضوا أمنهم وقوانينهم الخاصة على السكان المغلوب على أمرهم..
كتب إذن على سكان إقليم ابن سليمان أن يعيشوا التسيب والفوضى والفساد والبطالة، بسبب من توالوا على تدبير شؤونهم المالية والإدارية من منتخبين وممثلين للسلطات المحلية والإقليمية ورؤساء مصالح خارجية.. هؤلاء الذين كانوا ولازال البعض منهم، منشغلون باستنزاف ثروات الإقليم الطبيعية والعقارية، ومصرون على تهميش كفاءاته المحلية…
أربع انتخابات تشريعية متتالية منذ تطبيق دستور 1992، ألغيت جزئيا أو كليا، بسبب تكرار عمليات التزوير وبيع وشراء الذمم التي واكبت كل الاستحقاقات السابقة للفوز بالمقاعد البرلمانية المخصصة للدائرة.. ولم نرى أو نشهد برلمانيا دخل السجن بسبب التدليس أو التزوير الانتخابي، ولم حتى تم تغريم أحدهم أموال الشعب التي أهدرت عبثا، ولا تعويض جيش الموظفين وعمال النظافة الذين عاشوا جحيم الأعمال الشاقة من أجل الإعداد والإشراف وتتبع تلك الانتخابات المهزلة.. ولا السكان الذين أحبطوا بمسلسل الوعود الكاذبة..
ولم تبادر الجهات المعنية داخل وزارتي العدل والداخلية والمحاكم المعنية إلى منع هؤلاء المفسدين من الترشح نهائيا، أو حتى من إعادة الترشح للانتخابات الجزئية التي تسببوا فيها.. ليأتي شهر غشت 2017، من أجل تذكير السكان بأن دائرتهم، التي باتت تعرف وطنيا بدائرة الموت، ستتصدر من جديد عناوين الصحف وستغطي عما يعيشه المغاربة من سخط وغضب إزاء ما تفرزه سلوكيات بعض المنحرفين القاصرين من كبث جنسي وانحراف، تعدى بني البشر إلى عالم الحيوانات.. والتي حاول خصوم الوطن استغلاله لضرب سمعة ومكانة المغرب قاريا ودوليا..
يختزن الكتاب الأسود لرموز الفساد الانتخابي بالمغرب، مكانة خاصة لما ذاقه سكان إقليم ابن سليمان من آلام وحسرة، وخصوصا بالجماعات الترابية (مليلة، بوزنيقة، ابن سليمان)..
ففي سنة 1993، حيث كانت الانتخابات التشريعية فردية، ألغيت نتائج اقتراع الدائرة التشريعية لبوزنيقة بشكل عام بسبب تدخل الإدارة (السلطة)، وتحريف إرادة الناخبين لفائدة المرشح حينها عبد الكامل الرغاي وزير المالية الأسبق عن حزب التجمع الوطني للأحرار. عوض منافسه الشرس حينها القيادي الاتحادي الراحل أحمد الزايدي. والذي عاد لينتزع المقعد البرلماني بعد تنظيم الانتخابات الجزئية. كما ألغيت نتائج اقتراع سنة 1997 بشكل عام كذلك بالدائرة التشريعية لابن سليمان لنفس السبب، بعد تحريف إرادة الناخبين لفائدة عبد الكبير السليماني صهر وزير الداخلية الراحل إدريس البصري عن نفس الحزب التجمعي. عوض خصمه حينها خليل الدهي الوافد الجديد حينها على عالم السياسة. والذي عاد هو الآخر وانتزع المقعد البرلماني بعد تنظيم الانتخابات الجزئية…
وكان وراء إلغاء تلك الانتخابات التشريعية، انتفاضة السكان، في معظمهم من الشباب سواء بمدينة بوزنيقة الذين خرجوا في مسيرة حاشدة اتجاه القصر الملكي بالصخيرات.. أو بمدينة ابن سليمان الذين أحرقوا خيام وعتاد الفائز المزور، وضلوا منتفضين حتى تم الإعلان عن إنصافهم. علما أن هناك العشرات من الشباب اعتقلوا وسجنوا بسبب نضالاتهم المشروعة..
وألغيت نتائج الاقتراع أيضا بشكل عام من طرف المجلس الدستوري سنة 2002 ، حيث بدأ الانتخاب باللائحة.بسبب فضيحة تسريب الأوراق الفريدة للتصويت بقيادة مليلة. واعتقل إثرها موظفين بالقيادة ومعهم القائد.كما ألغي سنة 2007 مقعد أمبارك العفيري رئيس بلدية المنصورية حاليا باسم حزب الأصالة والمعاصرة، والذي كان قد فاز بالمقعد البرلماني باسم حزب التقدم والاشتراكية، وفقد حينها مقعده بقرار من المجلس الدستوري بناء على شهادة أحد الأشخاص اتهمه فيها بأنه سلمه شيكا قيمته ألفي درهم لتوزيعها على بعض الناخبين كرشوة مقابل التصويت على لائحته. وأجريت الانتخابات الجزئية الخاصة بمقعده، حيث ترشح له من جديد باسم حزبه الأول التجمع الوطني للأحرار، وفشل في استرداده بعد أن فاز به محمد المباركي رئيس جماعة مليلة عن حزب الحركة الشعبية والمتابع حاليا في حالة سراح مؤقت بعدة تهم (اختلاس، سوء تدبير،..).
سكان دائرة ابن سليمان، وفي عز الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد من أجل لفت انتباه الحكومة إلى ما ترسخ من فساد وتعفن إداري ومالي.. يترقبون من جديد موعد انتخابات جزئية.. ويترقبون ما ستقدمه الأحزاب السياسية من فرسان جدد من أجل التباري.. وهم يعلمون علم اليقين، أن مسلسل المفاوضات والمساومات انطلق على صعيد قيادات تلك الأحزاب.. وأن التباري لن يكون سوى محطة جديدة للإحباط واليأس الذي بات يخيم على المنطقة.. إلا في حالة أن تبادر فعاليات الإقليم إلى التنسيق من أجل انتقاء الشخص المناسب، وليس الحزب المناسب، لأن الأحزاب أبانت على أنها دكاكين تفتح من أجل جمع الأصوات واستغلالها في المفاوضات الخاصة ب(وزيعة) الحقائب الوزارية والبرلمانية.. ليس إلا ..