الرئيسية / نبض الشارع / هناك … شاب عبقري متشرد ابن دوار (لاحونا) بضواحي ابن سليمان بلا وثائق إدارية ولا هوية … فك لسانه بعد 29 سنة وقال (أبا) بعد أن شاهد صورة الملك وحضنها

هناك … شاب عبقري متشرد ابن دوار (لاحونا) بضواحي ابن سليمان بلا وثائق إدارية ولا هوية … فك لسانه بعد 29 سنة وقال (أبا) بعد أن شاهد صورة الملك وحضنها

هناك….  في الخلاء المنعزل داخل قرية مهددة بالزوال بضواحي ابن سليمان، وسكانها مهددون بالسجن والغرامة والهدم… هناك حيث الحمير والبقر والماعز والدجاج والغنم، خير مغذ ومؤنس… وحيث النفوذ والجاه يزحف بكل ثقلهما من أجل تشريد أسر لا ذنب لهم إلا أنهم وثقوا في يوم ما وفي سنة ما بالسلطة (المخزن)، الذي مكنهم من أرض وبئر للشرب والغسيل… هناك يعيش مصطفى الشاب الذي

حرم من الكلام والتواصل كما حرم من والديه ومن نطق كلمتي (أبا ومي)، كما حرم من مسكن لائق… هناك مصطفى العبقري الذي لا يعرف معنى للكلام لكنه نطق وأعاد ما نطق لحظة وقوع بصره على صورة الملك محمد السادس… هناك قال وأعاد وهو يبتسم ( أبا.. أبا..أبا). إلى درجة أن سكان القرية ذهلوا، وبدأت النساء في الزغاريد والهتاف بحياة الملك (عاش الملك.. عاش الملك). فقط نطق بعد 29 سنة من الارتجال في الحروف. وأعطى خلاصة الكلام، المتمثلة في أن الإنصاف لن يصلهم إلا من عند ملك البلاد.        

هي دعوة أوجهها ليس فقط للسلطات والمنتخبين، والقطاعات الوزارية المعنية. ولكنني أوجهها كذلك إلى الفعاليات الجمعوية والحقوقية، والأطباء والعلماء والباحثين في خبايا الإنسان. والمحسنين أصحاب المال والجاه. من أجل زيارة منزل عشوائي بدوار (لوحونا) بمنطقة البسابس الغربية التابعة للجماعة القروية عين تيزيغة بإقليم ابن سليمان. والتواصل مع شاب يشكل استثناء في السلوك والمعاملة والقدرة على الإبداع إلى درجة العبقرية. شاب كتب عليه اليتم والعزلة والفقر والتشرد. كما كتب عليه العجز في التواصل العادي مع باقي أقرانه وجيرانه. إلى درجة أن الكل يعتبره مختلا عقليا. والوقوف على مدى الإهمال الذي طاله. بعد أن توفي أمه بالتبني.

إنه مصطفى ابن ال29، حسب ما صرح به أهالي القرية المهددة بالإفراغ  وهدم منازلها التي سكنوها منذ أزيد من نصف قرن.

لم نكن نسعى وراءه، ولم نكن نعلم حتى بوجوده، عندما قمنا بزيارة للمنطقة، من أجل تغطية احتجاجات السكان المتضررين من حكم قضائي، وجب تدخل وزير العدل من أجل إعادة النظر فيه. جالسنا المتضررين، وتحدثنا معهم ونحن نحتسي كؤوس الشاي والخبز البلدي و الزبدة. حين أطلعنا أحد الشبان الذي سجن لمدة شهر، بعد أن اعترض على هدم منزله. وهو الآن يعيش مشردا. قال الضحية إن هناك شاب أكثر منه بؤسا وتشردا. وإنه يسعى إلى أن يمكنه من وثائق هوية. مشيرا إلى الشاب (مصطفى) كانت تبنته امرأة عجوز تدعى فاطنة الراضي. وإن تلك المرأة توفيت قبل أيام من عيد الأضحى الأخير. وأضاف أن سكان الدوار يعطفون عليه مما تيسر لهم من مأكل. وأنه شاب لطيف غير عدواني. لازال يسكن وحده في مسكن العجوز بعد رحيلها. مشيرا على أنه اصدر شهادة إدارية تثبت أنه يقطن معهم في الدوار وسنه. وأنه ينتظر جلسة المحكمة ودعم كل المعنيين من أجل تمكينه من بطاقة هوية. ولما لا نقله إلى دار للعجزة أو مكان نظيف، للاعتناء به.

أجمل ما في مصطفى، أنه كله جمال وروعة. وأن المحسن الأكثر حظوة، هو من سينال الاهتمام به. وإليكم الأسباب:

مصطفى الشاب الأليف، شغوف بالعمل والإبداع، فهو وبشهادة أقرانه، سبق أن فكك دراجة عادية إلى أجزاء باستعمال لاقط فقط (بانس)، وأعاد تركيبها في وقت أكد احد الشباب أنه يصعب حتى على المحترفين وباستعمال أجهزتهم المتطورة(السوارت).

مصطفى المدمن على السياقة. إلى درجة أنه بحث في كل متلاشيات القرية، وصنع لنفسه سيارة، ضل يركنها أمام منزله. يعرج إليها كلما أراد التجول بخياله بعيدا عن أعين الساكنة. بل إنه كان ينزل في كل مرة ليصلح بها عطب في المحرك (جدر شجرة). أو الأبواب أو … كما لا يدخر جهدا في ملء خزانها بالوقود (الماء طبعا).

مصطفى الخبير في تهيئة وتركيب جهاز الطاقة الشمسية، والتي يضيء بها غرفته. فبعد أن ساعده بعضهم بتدبير جهاز الطاقة. أصبح مصطفى منشغلا بها. حريصا على أن يستمر نورها ملازما له، كل ما ولج غرفته متصدعة الجدران.          

 وبعد أن اطلعتم على مهارات مصطفى وأخلاقه العالية في دعم ومساعدة الجيران. وبعد أن علمتم أن مصطفى يجد صعوبة في الكلام والتعبير عما يخالجه، وما يرغب فيه. سأطلعكم على ما هو أهم من المهم. ألا وهو رد فعله كلما قدمت له صورة الملك محمد السادس. كان يسبق حامل الصورة، ويحاول انتزاعها منها ويردد  كلمة وحيدة (أبا … أبا )… لقد ينادي ملك البلاد بأبيه ويسارع من أجل احتضان الصورة وضمها إلى صدره. ألم اقل لكم أن المحسن الذي سيعتني بمصطفى سيكون قد حظي بشرف ليس بعده شرف. وأنه الشاب لاشك مريض بنوع من الأمراض التي قد تحتاج إلى رعاية خاصة، أكثر من حاجتها إلى الأدوية…

فأرجوا أن تهبوا لنجدة وإنقاذ مصطفى لأنه ليس ساذجا ولا مختل عقليا…. إنه ببساطة عبقري في حاجة إلى اكتساب اللغة من أجل التواصل، وفي حاجة إلى الآليات والإمكانيات  ليقول لكم إنه مصطفى اليتيم العبقري الذي خسرتم طفولته. وأضعتم على البلاد كفاءة وطاقة كانت ستبلي البلاء الحسن. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *