الرئيسية / اقلام حرة / واقعة الاعتداء الإجرامي على أستاذة بالحي المحمدي : أية قراءات ؟

واقعة الاعتداء الإجرامي على أستاذة بالحي المحمدي : أية قراءات ؟

                          لم تكد تخمد نيــران واقعة الاعتــداء على أستــاذ  ورززات وما أعقبها من احتجاجات وردود أفعال وتداعيات تجــاوز صداها حـدود الوطن ، حتى ضرب العنف بقوة بالدار البيضاء مـن خلال واقعة اعتداء جبان وهمجـي على أستاذة بإحدى ثانويات الحي المحمدي من طرف تلميذ متهــور، وتشريحا لظروف وملابسات الواقعة يمكن إبداء الملاحظات التالية :

– الإعتداء طال أستاذة من طرف تلميذ باستعمال شفــرة حلاقة تركت جروحا بليغة بوجه الضحيـة ، وهو اعتداء تزامن مع اعتداء طال أستاذ بسيدي رحال الشاطئ وأستاذة أخرى بفاس .

-الاعتداء وقع عند مدخل المؤسسة لما كانت الأستاذة تتأهب لامتطاء السيارة من أجل المغادرة إلى حال سبيلها .

– أن التلميذ الجانح هو موضوع عقوبة صادرة عن المجلس الانضباطي بناء على العنف الذي سبق أن مارسه في حق أستاذة التربية الإسلامية .

– أن والدة الجاني حسب إفادة الأستاذة الضحية، قدمت إلى المؤسسة قبل واقعة الاعتداء، وعرضتها للسب والشتم أمام زميلاتها ، بدعوى أنها سبب العقوبة التي صدرت في حق ابنها من طرف المجلس الانضباطي ، مما دفــع الأستاذة إلى تقديم شكايـة في الموضوع لدائرة الشرطـة المختصــة .

– أن التلميذ الجاني ترصـد للضحية بل وكان مصرا على تعريضها للاعتـــداء ، وقد أشعرت الأستاذة بذلك من طرف أحد التلاميذ الذي أبلغها بالنوايــا الإجرامية للتلميذ المعني .

– أن بعض تلاميذ وتلميذات المؤسسة برروا السلوك الإجرامي الذي قام به الفاعل ، بدعوى أن مستقبله قد ضاع نتيجة العقوبة الصادرة في حقـه ، بل أكثــر من ذلك قدموا اللـوم للأستـاذة وأدانوا سلوكها داخل القسم وحملوها مسؤولية ما وقــع.

              إذن وتأسيسا على ما سبق ، وبناء على ظروف وملابسات الواقعة المؤلمة ، يمكن القـول أن ما وقع هو امتداد لعنف مدرسي آخد في التطور والتشكل والامتــداد لا من حيث المجـال ولا من حيث الكم والكيـف ، عنـــف أخد يتجاوز مستوى العنــف المدرسي العابر من قبيل السب والشتم ، إلى مستوى  العنــف الذي يهــدد السلامة الجسدية والمعنويــة والذي يتملك كل العناصر التكوينيــة للفعل الجرمي المـــاس بالسلامة الجسدية والمعنوية للأستاذ (ة) ( جريمة الضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض نموذجا ) ، بل أكثــر من ذلك فالمشكل يتجاوز واقعة الفعل الجرمي المدان قانونا ، بالنظر إلى خصوصيات الضحية الذي طاله الإيداء العمــدي ، والذي يفترض أن يحــاط بما يكفي من الاحتــرام والتقديــر والوقــار والتبجيل ، إذن فالاعتداء على رجل التعليــم هو اعتداء على القيم وقتل للأخــلاق وضرب للتشريع المدرسي واغتيــــال للمدرسة العمومية كفضـــاء لإشاعة المعرفة ونشر القيم (المحبة، التعاون،التضامن،التسامح،الاحترام…إلخ) وصناعة الإنســـــــان ، وبخصوص وسيلة الاعتداء ، يلاحظ أن التلميذ الجاني تجاوز مستوى السب أو اللكم كما وقع لأستاذ ورززات أو التهديد اللفضي ، وسخر وسيلة أكثر فتكا ويتعلق الأمر ب"شفــرة حلاقة " تركت جروحا بليغة في وجه الأستاذة الضحية ومن ورائها جروحا نفسية ربما لن تزول آثارها مهما كانت درجة التضامن  والتعاطف والمواساة ، وأن يصل تلميذ/ متعلم إلى مستوى الاعتداء على أستاذة باستعمال "شفرة حلاقة" ، فهذا يقدم فكـرة لا تحتــاج للشرح عن مستوى بعض التلاميذ الذين أضحوا والمجرمين سيان ، أو على الأقل مستعدين سلوكيا ونفسيا واجتماعيا لاقتراف الفعل الجرمي في أيــة لحظـة ،  وهذه الواقعة المخجلة والمثيرة للقلق والخوف على مستقبل المدرسة العمومية ، جاءت في سياق انعقاد مجلس انضباطي قبل العطلة بسبب تورط التلميذ/ الفاعل في قضية اعتداء على أستاذة آخرى ، وقد خرج المجلس بقرار يقضي بتنقيله إلى مؤسسـة أخرى متواجدة بنفس المجال ، وقد قدمت والدة هذا الأخير إلى المؤسسة ووجهت للأستادة المعتدى عليها وابــلا من السب والشتم بدعوى أنها هي سبب القــرار المتخد ضد ابنها ، مما دفــــع الأستاذة إلى تقديم شكاية في الموضوع لــدى دائرة الشرطة المختصة ، ممـا قد نفهــم منه أن ما راج في مجلس الانضبـــاط قد تم إفشاؤه وتسريبه إلى الخارج ، ممــا أعطى الانطبــاع أن الأستاذة الضحية هي التي تتحمل مسؤولية القرار الصــادر ، في حين أن القرارات المتخدة على صعيد مجالس الانضباط تتم بحضور أساتذة القسم ومدير المؤسسة ، وبالتالي فهكــذا قــرارات  تتخد باسم المجلس وليس باسم مدير أو أستاذ مـا ،  وإذا كــان هناك نوع من التسريب أو إفشــاء لما راج داخل المجلس من نقاش أفضى إلى اتخـاد القــرار المذكور ، فهذا مدان من الناحية المبدئية والأخلاقية وحتى القانونية ، لأن النقاشات التي تتم بالأساس داخل هذه المجالــس ، لابد أن تحاط بما يكفي من السرية والكثمـان ، حفاظا على السلامة الجسدية أو المعنوية  لأعضاء المجلس من أي سلــوك انتقامـي محتمـل من قبل التلاميذ خاصـة الذين تقررت في حقهم عقوبـــة تغيير المؤسســة أو الفصل النهائي عن الدراســة ، وعادة عقب المجالس الانضباطية ، يظهر بعض الأساتذة تعاطفا مع التلاميذ موضوع بعض العقوبات الانضباطية من خلال التظاهر أمامهم أنهم دافعوا عنهم بالمجلس ، ويلقون بذلك بالمسؤولية إلى زميل (ة) أو زملاء أو زميلات لهم، لذلك لابد من الرقي بالسلوك المهني والأخلاقي ، لأن واقع المدرسة العمومية أصبح يفرض على رجال ونساء التعليم المزيد من التعبئـة واليقظة والنضال ، في ظل تنامي العنف المدرسي وتزايد موجات العداء ، مع الإشــارة إلى أن القرارات الصادرة عن المجالس الانضباطية ، فهي تحضى بالقوة والحجية القانونية ، وبالتالي فهي قرارات ملزمة للجميـع ويجب تنفيذها بكل حزم وصرامة ودون تهاون ، كما يجب على التلاميذ وأولياء أمورهم الالتزام بها والامتثـال لها احتراما لروح الضوابط والقوانين المدرسية ، ومن خلال الواقعة ، فيبدو أنه لا التلميذ ولا والدته لم يحترما ما صدر عن المجلس الانضباطي من قرار ، بل وقاما بتحقيــره من خلال السب والشتم بالنسبة للوالدة والإيداء العمدي بالنسبة للتلميذ/ الجانح ، وقد كان بإمكان هذا الأخير أن يتقبل الأمر وأن يتحمل مسؤولية وعواقب ما صدر عنه من سلوك مخل بالضوابط المدرسية ، أما الأم فقد كان من المفروض عليها من الناحية التربوية أن تقبل بعقوبة تغيير إبنهـا للمؤسسة ، وأن تهدئ من انفعاله ، تجنبا لاقتراف جريمة قد تنهي مساره الدراسي بالمرة ، وذلك بالامتثال للأمر الواقع والقبول بتغيير المؤسسة ، لكن التهور قاد التلميذ إلى الهاوية ، فبدل القبول بتغيير المؤسسة ومتابعة دراسته إن كــان فعلا يرغب في الدراسة ، قاد نفسه إلى ما وراء القضبان ، وتسبب للأستاذة في جروح لن تندمل ، وألحق الضرر بزملاء حرمهم من أستاذتهم خصوصا الذين هم متابعين بالامتحان الإشهادي ، مما يفرض تدبير هذه الأزمة إما بالبحث عن أستاذ بديل أو انتظار تماثل الضحية للشفــاء ، بل كرس بسلوكه المتهور وغير المحسوب أزمة مدرسة عمومية لا زالت تعيش على صدى ما وقع من عنف جسدي طال أستاذ ورززات ، بقيت الإشـارة إلى ردود فعل زملاء الجاني ، التي تلاقت جميعها في مشاعر التضامن مع المعني بالأمر بل وتبرير ما صدر منه من سلوك إجرامي معاقب عليه قانونا ، وهذا يعطي فكرة على نوعية من التلاميذ الذين يفتقدون للمسؤولية والمصداقية ،واكتفوا بانتقاد تصرفات الأستاذة في القسم والتي لا تقوم إلا بواجبها المهني ، ولا أحد منهم انتقد السلوك الإجرامي لزميلهم في حق أستاذة يفترض إحاطتها بالاحترام والتقدير إن لم نقل التبجيل ، فالأستاذ(ة) في قسمه إن كان صارما ، فإن هدفه الأسمى فرض النظام والانضباط ضمانا لحق الجميع في التعلم ، لكن هذه الصرامة قد لا تروق لبعض المتهورين اليائسين ، فتتحول علاقتهم بأستاذهم إلى علاقة نفور وعداء.

                      إذن ، ما وقع في الحي المحمدي، ينضاف إلى ما وقع في سيدي رحال الشاطئ  وقبلها ما وقع لأستاذ فاس وأستاذ الرباط وأستاذ ورززات ، دون نسيان أو تجاهل حالات عنف أخرى لم تلق الصدى المطلوب ، وهذه الحالة ما هي إلا حلقة من مسلل درامي طويل عنوانه "العنف المدرسي" ، عنف طال رجل تعليم أضحى كأرض عذراء سارت مستباحة من قبل شردمة من المتهورين والمنحطين من تلاميذ أقرب إلى المجرمين منه إلى المتعلمين ، وفي كل حلقة تغتال القيم وتقتل الأخلاق وتنتهك حرمة رجل "كاد أن يكون رسولا " ومدرسة جريحة لا يزيدها العنف إلا انحطاطا ، وهي دعــوة موجهة إلى من يهمه الأمر ،  للتعجيل بتنزيل " تشريـــع جنائي مدرسي"  لزجر كل التصرفات الجرمية التي تطال رجل التعليم والمدرسة على حد ســـواء ، والتفكير في خلق خليــة للأمن المدرسي على غرار الأمن الجامعي ، لها صلاحيات واسعة تمكنها من التدخل الفــوري في محيط المدرسة وداخلها إن اقتضى الأمر ذلك، مـــع التعامل الصارم مع كل السلوكات المخلة بالقوانين الأساسية للمؤسسات ، لأن التراخي في تنفيذ القوانين ، يشجع على العنف الذي يبدأ بالشغب داخل القسم أو بالتغيب غير المبرر أو ارتداء ملابس غير محتشمة أو الحلاقة المثيرة وغيرها ، وأخيرا وليس آخرا، لابد من التعاطي مع موضوع العنف المدرسي بمزيد من المسؤولية والصرامة حفاظا على كرامة رجل التعليم إن لم نقل ما تبقى من الكرامة  ، وإنقــاد مدرسة تئن من شدة الداء ، ولا أحد قدم أو يريد تقديم الدواء الناجع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *