الرئيسية / السياسية / ولكم واسع التعليق: كلمة عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعي بمناسبة انعقاد الدورة 105 لمؤتمر العمل الدولي

ولكم واسع التعليق: كلمة عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعي بمناسبة انعقاد الدورة 105 لمؤتمر العمل الدولي

يسرني في مستهل كلمتي، أن أعبر لكم عن سعادتي بحضور أشغال الدورة 105 لمؤتمر العمل الدولي، وأن  أتوجه إليكم السيد الرئيس، بإسم حكومة المملكة المغربية، وبإسم أعضاء الوفد الثلاثي المغربي المشارك، بالتهاني الخالصة على الثقة التي حظيتم بها بانتخابكم رئيسا لهذا المؤتمر، متمنيا لكم ولمساعديكم كامل التوفيق في إدارة أشغاله، والتي نتمنى أن تتمخض عنها قرارات مجدية من شأنها تقوية و تعزيز مستقبل العمل عبر العالم.

السيد الرئيس؛        

حضرات السيدات والسادة؛

 

إن انعقاد هذه الدورة يأتي في ظل سياق عالمي يتسم بالتوترات السياسية والاجتماعية والتي كانت من تداعياتها الاقتصادية والأمنية والسيكولوجية، الإرتياب الشديد بشأن المستقبل الفردي والجماعي، حيث أضحى الاعتقاد السائد عدم قدرة المؤسسات والجهات الفاعلة في الحياة العامة على تحقيق السلم والاستقرار والتنمية المستدامة.

فبالإضافة إلى التحديات المرتبطة بالفقر وعدم الاستقرار السياسي، تواجه حالياً الكثير من الدول تحديات أخرى عديدة ومتنوعة ناتجة عن تهديدات أمنية عابرة للحدود وغير مسبوقة، والمتمثلة في التعصب، والتطرف، والإرهاب، والجريمة المنظمة، وتهريب الأشخاص والاتجار فيهم، وتدفق المهاجرين غير النظاميين، وانعكاسات التغيرات المناخية.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بمناسبة انعقاد هذه الدورة، باستمرار معاناة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. و هذا ما أكده ملحق تقرير السيد المدير العام حول وضع عمال الأراضي العربية المحتلة برسم سنة 2015، والذي أشار بصفة خاصة إلى توقف النمو وانهيار أسواق العمل وترسيخ الاحتلال بالأراضي الفلسطينية المحتلة، مما انعكس سلبا على حقوق العمال و كرامتهم.

و من هذا المنبر أناشد منظمة العمل الدولية ببذل كل ما في وسعها من جهود وطاقات من أجل تقديم الدعم والمساعدات الممكنة لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني الصامد وكذا عن الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني.

السيد الرئيس؛        

حضرات السيدات والسادة؛

لقد جاء تقرير السيد المدير العام لهذه السنة تحت عنوان "مبـادرة القضـاء على الفقـر: منظمة العمل الدولية وبرنامج عام 2030" ليسلط الضوء على الدور المحوري لهذه المنظمة، المتجلي في اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، من أجل القضاء على الفقر والهشاشة، ومكافحة كل أشكال التمييز داخل البلدان وفيما بينها، وبناء مجتمعات مسالمة وعادلة وشاملة للجميع؛ وتهييئ الظروف المواتية للنمو الاقتصادي المستدام والمطرد والشامل.

إن اختيار المغرب لاحتضان مؤتمر مراكش حول التغييرات المناخية من 7 إلى 18 نونبر 2016 ، والمتزامن مع الإعلان عن أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة، لهو اعتراف  باستباقية انخراطه في تحقيق  هذه الأهداف، وهكذا وإدراكا منه للطابع الحاسم لهذه التحديات، فإن المغرب يعمل  على بناء نموذج تنموي متميز، يقوم على القيم الحضارية للشعب المغربي، وخصوصياته الوطنية، وعلى التفاعل الإيجابي مع المبادئ والأهداف الدولية في هذا المجال. إذ تمكن المغرب من بلورة مبادرة وطنية رائدة، للنهوض بالتنمية البشرية، وبرامج طموحة في مجال الطاقات المتجددة، وخاصة الشمسية والريحية، باعتبارها عماد التنمية المستدامة،كما تمت  إعادة توجيه كل الجهود و الإمكانات المتوفرة من أجل القضاء على الفقر و تحقيق المساواة بين الجنسين  وتوفير فرص العمل اللائق والضمانات المحيطة به كالحماية الاجتماعية  والحقوق الأساسية في العمل والحوار الاجتماعي.

وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى البرامج المدرجة في إطار المرحلة الثانية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2011-2015) التي حققت نتائج ومكتسبات مهمة في مجال مكافحة الفقر وتحسين أوضاع الفئات الهشة، وفك العزلة عن المناطق النائية، من خلال توسيع قاعدة استهداف برنامج محاربة الهشاشة وتعبئة موارد مالية هامة لدعم هذه البرامج التنموية.

وهكذا، وحسب آخر التقارير، فإن المغرب يمكن أن يعتد بكونه كان قادرا على الوفاء بالتزاماته المتعلقة بأهداف الألفية للتنمية في أفق سنة 2015 وقد تم تحقيق هذه الأهداف بكيفية شبه كاملة. وهكذا تحسن مستوى عيش السكان بنسبة %3.3 بين 2001و 2014. وتقلصت التفاوتات الاجتماعية حسب مؤشر جيني بنسبة 4.7% على المستوى الوطني وقد تم القضاء عمليا على الفقر المدقع وأصبحت نسبة الفقر المطلق اليوم بدون دلالة إحصائية على الصعيد الوطني ، أما نسبة الفقر المتعدد الأبعاد (حسب مقاربة اكسفورد) فقد بلغت 6% على الصعيد الوطني وهو بدون دلالة إحصائية.

السيد الرئيس؛        

حضرات السيدات والسادة؛

حرصا من الحكومة المغربية على ضرورة توفير شروط عمل لائق ينسجم مع التوجهات الدولية الداعية إلى إنعاش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير سبل العيش الكريم للطبقة العاملة، فالمساعي مستمرة في اتجاه استكمال منظومة التشريع الاجتماعي عبر وضع مشاريع القوانين الخاصة ببعض الفئات المهنية في قنوات المصادقة من قبيل العمال المنزليين، وأجراء القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف، ناهيك عن مراجعة بعض النصوص القانونية المتعلقة بإصلاح نظم الحماية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية في القطاعين العام والخاص، والتعاضد، والقانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، وقانون النقابات المهنية. علاوة على وضع الآليات الضرورية لتطوير الاستثمار ودعم القدرة الانتاجية للنسيج الاقتصادي الوطني وتحسين جودته، والانخراط الايجابي في جولات الحوار الاجتماعي.

أما بخصوص النهوض بالتشغيل الذي تعتبره الحكومة من أولوياتها، فقد كانت مناسبة تنظيم هذه السنة للمنتدى الدولي الثالث حول سياسات التشغيل فرصة نوقشت من خلاله مسألة جوهرية تتمثل في معالجة وفهم التجارب الدولية في مجال السياسات الماكرو اقتصادية وسياسات التشغيل، ومؤسسات سوق العمل الكفيلة بتقليص الفوارق الفئوية والتفاوت فيما بين الجهات، وتحقيق نمو أكثر إنصافاً وأكثر استيعابية، وتحقيق تكافؤ الفرص، والتقائية أفضل للدخل في اتجاه مستويات لائقة.

وأستغل هنا هذه المناسبة لأعبر عن عميق ارتياحي وتشكراتي لنتائج الزيارة الرسمية التي قام بها السيد غاي رايدر  للمغرب بداية شهر مارس الفارط وترأسه إلى جانب السيد رئيس الحكومة للمنتدى الدولي الثالث حول سياسات التشغيل ، حيث كانت فرصة للتدارس فيها مع كل من الحكومة والبرلمان والشركاء الاجتماعيين حول مختلف أوجه التعاون مع مكتب العمل الدولي.

كما تبين خلالها أن إنعاش التشغيل يستأثر باهتمام خاص من طرف الحكومة وجميع الفرقاء ويشكل أهم أولوياتهم باعتباره عاملا أساسيا لضمان العيش الكريم لكل فرد من أفراد المجتمع، يستدعي تضافر جهود جميع المتدخلين. وفي هذا الإطار، لابد من الاشارة  الى مجموعة من التدابير والإصلاحات  التي تم اتخاذها في مجال التكوين وإنعاش التشغيل، منها:

  •  تعزيز برامج إنعاش التشغيل القائمة، في مختلف المقاولات، وتحسين قابلية التشغيل، ومواكبة إحداث المقاولة الصغيرة؛ مع العمل على تحسين عقود التكوين من أجل الإدماج وتحمل الدولة للتغطية الصحية والاجتماعية لفائدة المستفيدين منها ،
  •  تفعيل برامج جديدة لإنعاش التشغيل؛
  • تعزيز البعد الترابي للتشغيل من خلال دعم المبادرات المحلية للتشغيل وتطوير الشراكات مع الفاعلين المحليين و إطلاق المناظرات الجهوية للتشغيل،حيث تم الشروع في تنفيذ هذه السياسة انطلاقا من الجهات الصحراوية المغربية الثلاث.
  • اعتماد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل في أفق 2025 كإطار تنسيقي لجميع المتدخلين والفاعلين المعنيين بالتشغيل، إذ تم خلق لجنة وزارية برئاسة السيد رئيس الحكومة مكلفة بالتشغيل، و تقوم هذه الإستراتيجية على أربع رافعات أساسية :

*          إحداث مناصب شغل بأعداد كافية وجودة عالية؛

*          تثمين الرأسمال البشري؛

*          تحسين برامج سوق الشغل والوساطة في التشغيل؛

*          تعزيز حكامة سوق الشغل .

  • اعتماد الإستراتيجية الوطنية للتكوين المهني في أفق 2021 بغلاف مالي يبلغ 65 مليار درهم خلال خمس سنوات، بمساهمة القطاعين العام والخاص تروم تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني من خلال تكوين وتأهيل أكثر من عشرة ملايين شابة وشاب.

السيد الرئيس؛

حضرات السيدات والسادة؛

إن المملكة المغربية تعي جيدا أهمية التعاون مع منظمة العمل الدولية في مجال التنمية المستدامة ومختلف المجالات ذات البعد الاجتماعي، التي تضطلع فيه بدور محوري وبفضل هذا التعاون، فقد تمكن المغرب من إنجاز العديد من البرامج وفتح المزيد من الأوراش لأجل ترسيخ المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، والنهوض بالتشغيل وبالعلاقات المهنية، وتكريس مفهوم العمل اللائق في قطاعات انتاجية تتسم بالهشاشة على مستوى ظروف العمل، وإعمال المسؤولية الاجتماعية للمقاولات، وذلك عبر ملائمة تشريعه الوطني مع معايير العمل الدولية من خلال مصادقته لحد الآن على 62 اتفاقية عمل دولية.

ولابد هنا أن نذكر بانخراط المغرب في مبادرات منظمة لعمل الدولية حول مستقبل العمل، حيث تم وبتشارك وطيد مع مكتب منظمة العمل الدولية للبلدان المغاربية تنظيم لقاء وطني حول موضوع: "التطورات التكنولوجية والأنماط الجديدة للعمل"، والذي ينظم في إطار المبادرة التي أطلقتها منظمة العمل الدولية حول "مستقبل العمل"، تمهيدا لتخليد الذكرى المئوية لتأسيس هذه المنظمة خلال سنة 2019.

ولقد كان هذا اللقاء الذي عرف مشاركة قيمة لجميع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين ، مناسبة لإبراز آثار هذه التحولات على التشغيل والفعالية الاقتصادية والحماية الاجتماعية، حيث تم التأكيد على أهمية حوار رفيع المستوى مثلا في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أو اللجنة الوطنية الثلاثية التركيب المكلفة بتتبع التطبيق السليم لأحكام مدونة الشغل المنظمة للتشغيل المؤقت، كما أن هذا الحوار يمكن أن ينظم أيضا داخل لجان المقاولات ، بهدف التوصل الى وضع إطار قانوني ملائم وكفيل بإقرار المرونة من جهة، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.

ولقد كرس هذا اللقاء الدور الاساسي الذي يلعبه جهاز التفتيش في إرساء السلم الاجتماعي وأكد على ضرورية استشراف مستقبل جهاز تفتيش الشغل بالمغرب في ظل التحولات التكنولوجية والاقتصادية.

وفي هذا الاطار تم تخليد هذه السنة، وبتعاون مع منظمة العمل الدولية، الذكرى التسعين لتأسيس جهاز تفتيش الشغل بالمغرب، في  لقاء تحت عنوان "أي مستقبل لجهاز تفتيش الشغل بالمغرب"  تم التطرق فيه استعراض وتعميق النقاش حول الأدوار التي يضطلع بها أعوان التفتيش والتحديات التي يواجهونها في ظل عولمة الاقتصاد.

و في مجال معايير العمل الدولية، فإن الحكومة بصدد استكمال مسطرة التصديق على مجموعة هامة من اتفاقيات العمل الدولية من بينها 03 اتفاقيات تمت مباشرة مسطرة التصديق عليها خلال سنة 2015. يتعلق الأمر بالاتفاقيات:

  • رقم 120 حول قواعد الصحية في التجارة والمكاتب؛
  • رقم 143 حول العمال المهاجرين (أحكام تكميلية)
  • رقم 172 ظروف العمل في الفنادق و المطاعم و المنشآت المماثلة،

 

وفي الختام، إننا لواثقون، وكما جاء على لسان صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله " بأن تنامي الوعي، من طرف المجتمع الدولي، بالتهديدات العابرة للحدود ، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك للشعوب، سيكون له تأثير كبير، في إيقاظ الضمير العالمي، من أجل عالم أكثر أمنا وإنصافا وإنسانية" .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *