الرئيسية / اقلام حرة / يوميات أستاذ من درجـة ضابط .. سلام الشجعـــان

يوميات أستاذ من درجـة ضابط .. سلام الشجعـــان

بقلم : عزيز لعويسي

في إحدى الصباحيات ، وتحديدا في المراحل النهائية للأسدس الأول ، تغــيب الأستــاذ المكون ” ميمـون” دون سابق إعـــــلان ولا إشعار ، وقد تم الولوج إلى داخل القاعة الزرقــاء ترقبا لحضوره بين كل لحظة وحين .. تحين الفرصة الأستاذ المتدرب ” عسو” بإعتباره ممثل القسم ، ونهض من مقعده مخاطبا الحاضرين بكلمات متقاطعة أفاد من خلالها أن بعض المتدربين من شعبة “الإيس في تي” يتأهبون من أجل القيام بوقفة أمام مقر الأكاديمية تنديدا بغياب الوضعيات المهنية .. واقترح “عسو” فكرة فتح نقاش حول المشكل القائم وتحديد مدى إمكانية أو عدم إمكانية الانخراط في هذه الوقفة الإحتجاجيــة ..بعـد أن تم قبول المقتـرح ، فتح وقتها باب المداخلات بعدما تكلف “عسو” بنفســه بعملية تسيير النقاش ..

الأستاذ المتدرب ” آيت بويه ” كان أول المتدخلين ..وقد بدا من خلال كلماته أنه ميــال بشغف إلى فكرة التصعيد والإحتجاج لإرغـام الجهات المعنية على إيجاد حل مستعجل للمشكل القائم بشأن الوضعيات المهنية ..التي انخرط فيها جميع الأفواج بإستثناء “الايس في تي” و”الأدب العربي” و”التاريخ والجغرافيا” .. عقبها لم يجد “سليم” بــدا من التدخل في هذه اللحظة الحرجة.. تناول كعادته كلمة مقتضبة .. كان ينظر إلى الأشياء بنوع من الحكمة والتبصـر والشمولية وهي الأشياء التي اكتسبها طيلة مساره المهني السابق في دواليب الإدارة .. أكد بنضج وقوة في الشخصية أن الجهات المعنية بما فيها الوزارة الوصية لم تقو على إيجـاد حـل مناسب لهذه المشكلة المعقدة للغايــة ، وأثار انتباه الحاضرين إلى ضرورة التعامل مع الوضع بنظرة متعددة الجوانب تستند إلى الحكمة والمسؤولية ، وحـذر من إمكانية خوض أية حماقة إحتجاجية معالم فشلها واضحة للعيـــان ، مؤكدا في ذات الآن أن المتدربين هم بعيدون عن اللعبة التي لا يعرفون كواليسها وظروفها وملابساتها ، والإنخــراط في دائرة الإحتجاج غير الواعي من شأنه أن يخــدم عن وعي أو بــدون وعي مصالح هذا الطرف أو ذاك … أعقبت “سليم” تدخلات كل من ” أرسلان” و” الهواري ” والتي ساندت بشكل أو بآخر وجهة نظر “سليم” .. قبل أن يتنـاول الكلمـة الأستاذ المتدرب ” أبو العز” ، وما أن شرع في إبداء وجهة نظره وتأكيده أن خطوة “الإحتجاج” المزمع القيام بهـا هي خطـوة متأخرة كان ينبغي القيام بها في أول الموسم الذي لاحت معالم نهايته في الأفــق ..حتى ثارت ثائـرة “آيت بويه ” الذي احتج بقوة على ما قاله ” أبو العز” مشيرا أنه سبـق وأن أبدى فكرة الاحتجاج في بدايــة الموسم .. وبسرعة فائقة حتى ثارت ثائرة الاثنيــن ، وتعالت الصراخات بينهمــا وإنقلبت بعض الطاولات والكراسي وحاول الطرفان الإشتباك بالأيــادي .. ولولا تدخل بعض الزملاء لتهدئة الوضع لوقع ما لا تحمد عقبــاه .. عموما فقد تم إخماد نيران الغضب في مهدها وغادر الجميع إلى حال سبيلـه ..

كانت تحدو سليم وقتها رغبة وحيدة ، ألا يصل ما وقع الى الخارج حتى لا تخدش سمعة الفوج سواء أمام الإدارة أو المكونين أو باقي الشعب .. لكن التطورات اللاحقة ، أبانت أن “الصبيانية” و”عدم المسؤولية” أوصلتا “الخبر” إلى خارج القاعة الزرقــاء … وقد كانت تلك ، أول وآخر مــرة تهتز فيها تلك القاعة على وقع النزاع والصراع والمواجهة .. وفي إطار تحديد المسؤوليات عما وقع ، فقد كانت مسؤولية الأستاذ المكون “ميمون” واضحة، على إعتبار أنه تغيب دون سابق انذار، وقد كان عليه على الأقل أن يشعر أحد المتدربين هاتفيا بموضوع عدم حضوره،كما أن المتدربـبين جميعهم ، فقد تحملوا أيضا قسطا من المسؤولية ، لأنه وفي كل الحالات ، ما كان عليهم أن يلجوا الى القاعة الزرقاء في غياب الأستاذ المكــون ، علما أن المسؤولية المباشرة ، يتحملها المتدربــان “أبو العز” و”آيـت بويه” … طبعا فقد استغل “سليم” و”سليمان” الفرصة ، وغادرا إلى الغرفة رقم “10” من أجل أخد قسط من الراحة ..

وبعد مضي حوالي ساعة من الزمن ، بينما “سليم” يتصفح صفحة المجموعة على “الفيسبوك” حتى تفاجــأ بنشر صور لبعض الزملاء من الفصل مزهوين ومبتهجين يجلسون بإحدى المقاهي بمدينة مازغان ، كان من ضمن الحاضرين الثائران ” أيت بويه” و”أبو العز” .. بسرعة كبيرة ذاب الخلاف بين الطرفين وعادا إلى رشدهما .. كانت تلك لحظة تاريخيــة معبــرة ..لم يجد لها “سليم ” من تعليق سوى .. سلام الشجعـــان … وبقدر ما ثمن “سليم” هذا “السلام” ، بقدر ما تأسف على تلك الواقعـة المؤسفة التي طغت عليها الصبيانية وعدم المسؤولية وعدم الإحترام وكذا عدم قبول الرأي والرأي الآخر، تبين بما لا يدع مجالا للشك ، أن مثل هكذا تصرفات أو سلوكات ، لا يمكن أن يكون لها مكان في شخصية “المدرس” الذي يجب أو على الأقل يفترض أن يكون “نموذجا” يحتدى به بالنسبة للمتعلمين والمتعلمات على مستوى السلوك والقيم والأخــلاق …وبما أن كل واقعة لها دروس وعبر ، فقد استخلص الأستاذ “سليم” أن المدرس(ة) أو الأستاذ(ة) لا يمكنه أن يترك المتعلمين بمفردهــم داخل الفصل ، تفاديـا لأي سلوكات أو تصرفات غير واعية وغير مسؤولـة قد تصدر عنهــم .
-أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي ، باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *