الحلقة 18 من سلسلة ذكرياتي:
فرحة النجاح لم تدم طويلا وسرعان ما ارسلني ابي عند جدي للمساعدة في جمع المحصول الزراعي . كانت دار جدي تعج باليد العاملة المحلية والقادمة من المدينة وحتى دراوة من الراشدية (خالي بجمعة ويحيى ،…) .
ولما وصلت الى المنزل دخلت على جدي في بيته وهو متكء على مرفقه الايسر كالعادة ، وسألني عن النتيجة واخبرته اني نجحت وأخرج من شكارته الجلدية والتي كان يتحرف بها ورقة 100 درهم ومنحني اياها وكانت اكبر حصة من المال احصل عليها، وامرني بفتح الخزنة التي كانت تحت السرير وإخراج صندوق وفتحه واعطاني حفنة من الفاكهة الجافة، وكانت الخزنة تحتوي على مؤونة العائلة وهو الوحيد التي يتحكم في المقادير والكمية التي يجب استهلاكها في اليوم او الاسبوع او خلال المناسبات: الزيت، العسل، اللوز والكركاع، الشاي ، السكر، السمن، …. .
بالنسبة للاعمال الفلاحية هناك حشان العدس واللوبية والحمص والذرة و كان جدي يعمل بنظام ااكرجة forfait ، وكان تسند المهمة لدراوة ( اصل اللسم درعاوي و يطلق على سكان درعة ) وحتى العمال المحليين واغلبهم من الغزاونة . واتذكر جيدآ خالي الجيلالي وهو رجل مسن جدا وهو خال جدتي من ابي( الحاجة المكانة almagana ، ) سوف ارجع الى سر التسمية لاحقا و كانت تعمل معه امرأته يقطفان الحمص وانا اسرح البقر بجانبهم ولما حان وقت الغذاء جلس الاثنان واخرجوا خبز حافي ملفوف في منديل واخدوا برادة الماء وسكبوا كاسين من الماء وشرعوا في الأكل: دغمة خبر مع جغمة ماء وقد اثرالمشهد في نفسيتي كثيرا وتاسفت وقلت في نفسي كيف لرجل كهل في سنه ما زال يخدم مع زوجته في الحر ولا يقوى على توفير طعام لائق : لا حول ولا قوة الا بالله.
بالنسبة لدراوى drawa كانوا ياتون من زاكورة ويتكلفون بالأعمال الشاقة وكحفر الآبار والمطامر ويمضون عدة أشهر قبل العودة للديار ويقمون أيضا بحصاد الشعير والقمح الموجود بالمنحدرات والحيوط ، يتم جمع السبول على شكل غمرات ثم على شكل كومات من المط وثم يحمل في شبكة من القنب على ظهر الجمل او في سكني sagni من العود على ظهور البغال والحمير لايصاله الى الكاعة .
والباقي من الخدامة يتكلفون بايصال المحصول على الشاريو المجرور بالتراكتور او الكارو المجرور بالخيل والبغال و عندما يحمى الحال يشرعون في الدراس والتدرية، والتصفية وبناء النوادر.
وقد كان لجدي عدة خيول وبغال وحمير (الرامة) وكنا نركب عليهم ونسوق القطيع الى المرعى او المجرى للشرب ونتبارى في السباق مع اولاد عم ابي ونجتمع للعب والعوم في مكلت كبير ثم تشييده على بعد عدة امتار من عرسة عمي بوشعيب في اتجاه اولاد الضاوية ، وكان ملتقى لعدة شبان من كل الدواوير المجاورة وكان لزاما علينا إثبات الذات امام الحشد: التحام، تشاجر، تعارك، تحالف …. .
بالنسبة لأسم جدتي فهو من اختيار الشرفة توهاما بحيث قالوا لأمها ،لما كانت حاملة بها يجب انتظارنا السنة المقبلة للتسمية ولما جاءؤا، قال كبيرهم سوف نسميها عن طريق الفال ودخل عليهم رجل يسأل عن الوقت وقال شكون عنده مكانة magana، وكذلك تم تسميتها ( انظر الصورة اسفله).
من بعد الدراس وبنيان النوادر يأتي التبلاط (طلي النوادر بالوحل ممزوج بالتبن) وفي بداية الخريف يتم إحراق الحصايد ، يجب التركيز على هاته النقطة حيث كان الخير موجود ويبقى التبن في الحصايد ويجب احراقه قبل موسم الحرث، قضية اخرى يجب التطرق إليها هي حرية التجول والرعي في المساحات الشاسعة التي كانت تميز المنطقة بعد الحصاد و كانت القطعان من الغنم والبقر والرامة تدفع في الصباح بدون سارح لكي ترجع في المساء مرتوية وشبعانة.
مضى الصيف وجزء من الخريف ورجعت الى منزل ابي و انا جد متحمس للذهاب إلى الإعدادي و قد ثم قبولي في الداخلية لموسم 1974\75 وقد سلمونني لائحة الأغراض التي يجب علي احضارها وتشتمل على جوج /جوج من الحاجة ( باليزة بها: سليبات، كراسن، لبسة، تقاشر، فوطة، صابونة ، شنمبان، فرشة الأسنان والمعجون، لبسة الرياضة، صباط بانطوفة، سيراج،…) وقد غضب ابي كثيرا من تلك اللائحة وردد تلك الجملة عدة مرات: قاليك جوج جوج من الحاجة هاذا ولا جهاز ديال عرس … هههه وفي الاخير تمت تلبية كل الحاجيات والتحقت بمعية اخي بالداخلية واستقبلنا الحارس العام السي فاضل ….
الصورة للمرحومين بوجمعة والفقيه الصحراوي
يتبع الحلقة 19