الرئيسية / ميساج / 24 أكتوبر .. بداية ربيع المغرب

24 أكتوبر .. بداية ربيع المغرب

بصم الملك محمد السادس يوم 24 أكتوبر 2017 على قمة وسمو التجاوب الإيجابي مع مشاغل واهتمامات الشعب..بتوقيعه على سلسلة إعفاءات داخل الحكومة الحالية، وبعض المناصب السامية.. وإعلان غضبه وسخطه على وزراء سابقين.. وإحالة مسؤولين على التحقيق.. ومطالبته وزير الداخلية بإجراء تحريات دقيقة  بشأن كل المسؤولين  التابعين لوزارته بالإدارة الترابية على مختلف درجاتهم. وتوجيه رئيس المجلس الأعلى للحسابات صوب عمل المجالس الجهوية للاستثمار، التي أغرقت البلاد في فوضى التعمير باعتمادها عرف (الاسثتناء)، والتلاعب بتصاميم التهيئة.. كانت البداية بسبب مشاريع إقليم الحسيمة التي طالها العبث والنسيان، وشابتها تجاوزات واختلالات أقرها قضاة المجلس الأعلى للحسابات.. وبعد أن أمر الملك بالتحقيق في مكاتب ورفوف باقي العمالات والولايات، ستطيح مجموعة من المشاريع الفاشلة الأخرى برؤوس الفساد..                             

 

برهن الملك كعادته على أن مواعيد العقاب والإنصاف، تحكمها القوانين والمساطر الإدارية المستوحاة من دستور البلاد.. قد تقصر أو تطول. لكنها تنتهي بالحزم والحسم.. ولا تخضع  للابتزازات والاستفزازات والضغوطات والإملاءات.. ولا يمكن أن يحددها من ينصبون أنفسهم زعماء، ولا من يسعون إلى الركوب على مطالب فئات من المجتمع المدني. أو من يدعون الصدارة والاستثناء في الإعلام  والدفاع عن الحقوق..  كما برهن أن مبدأ (ربط المسوؤلية بالمحاسبة) ليس شعارا يراد به تزيين واجهة المغرب إعلاميا، ولا لتسويق وهم الديمقراطية. ولكنه حقيقة، ستقضي عاجل أو آجلا على كل المفسدين وناهبي ومبذري المال العام.. وأن الواجب الملكي تحركه شكاوي المواطنات والمواطنين الصادقين. ولا تثيره   شطحات ورقصات خصوم الوطن، ولا تهجماتهم المفضوحة..                                                                               

 

تجاوز الملك إذن مرحلة تشخيص وتشريح الواقع المغربي المعاش.. وضع أصبعه على الجروح والقروح، وحدد أمكنة الخلل.. وطبيعة العلل.. جاء قبل أسبوع إلى قبة البرلمان من أجل المطالبة بتفعيل دور نواب الأمة، وتعبئتهم بالغرفتين، للبحث السريع والدقيق عن الحلول، وتوفير الآليات والعلاج اللازمين .. قبل أن يضرب بيد من فولاذ، ويعلن عن انطلاق الربيع المغربي.. المفروض أن نعتبره (ثورة ملك وشعب) جديدة.. وأن نعد العدة لتعزيز الدعم والتعاون من أجل أن يحصل المغرب على استقلاله من الفساد والاستبداد الذي تشعب وتجدر داخل معظم المكاتب والرفوف..                                                        

 

لا أظن أن هناك أي مغربي لم يلتقط الدروس والعبر من خطابات الملك التي جمعت بين التحذير والتشخيص والتشريح والترشيد وإعطاء الحلول.. ولا من سلسلة الإعفاءات والتوبيخات الأخيرة، وإبعاد مجموعة من الأسماء الوازنة عن مناصب المسؤولية.. بالأمس القريب خاطب نواب الأمة، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة. خطاب لم يكن عسير الاستيعاب والفهم بالنسبة لأزيد من 500 منتخب داخل مجلسي النواب والمستشارين، ولو أن مستويات بعضهم التعليمية جد محدودة وأن بعضهم بالكاد يتهجى الحروف العربية.. خطاب لن يفهمه من أدمنوا على الفساد والاستبداد وتشبعوا بكل قوى التعفن والحقارة. وباتت آذانهم صماء و رافضة الإنصات لكل ما له علاقة بالخير والنماء والمصلحة العامة للمغاربة..

 

 

لن ينسى المغاربة يوم 24 من أكتوبر.. الذي تحركت فيه اليد الملكية لتصفع المتجاوزين والمقصرين في ملف مشاريع الحسيمة.. صفعة قوية جاءت بعد أشهر من البحث والتحقيق، حتى لا يتلقاها بريء.  لكن يد الملك الواحدة، لا يمكن أن تصفق لوحدها، لكي تطرب كل المغاربة. والمبادرات الملكية الداخلية والخارجية لا يمكن أن تثمر وأن تنصف كل المغاربة بمختلف طبقاتهم، إلا بدعم وتعبئة شاملة لكل شرفاء البلد وداخل كل أجهزة الدولة الرسمية. وفي مقدمتهم نواب الأمة، المفروض أنهم صناع القوانين والقرارات، الذين أوكل لهم دستور البلاد، مراقبة وتتبع عمل الحكومة.. وكل هؤلاء يصنعهم الشعب ويغذيهم..

 

هناك حقيقة واحدة يعرف الكل.. حقيقة أن المغرب ينبض حاليا بنبضات قلب واحد، كتب على صاحبه أن يقوم مقام ممثلي كل السلط.. فيما يسارع هؤلاء الزمن من أجل كسب المال والجاه قبل انتهاء ولاياتهم سواء منهم المنتخبين أو المسؤولين داخل مختلف القطاعات العمومية .. وفي مقدمتهم نواب الأمة.. السلطة التشريعية المفروض هي من تصنع الحكومة (السلطة التنفيذية)، وتطهر القضاء (السلطة القضائية)..

 

  حان وقت الحسم والحزم، وعلى الكل التجند لوضع قطار الإصلاح والتنمية على سكته الصحيحة، الملك غاضب والشعب غاضب.. ونبرات الحزن والقلق والأسف لا تكفي لتطهير المغرب وتنقيته.. بسبب ما آلت إليه كل القطاعات.. وما لحق بثروة البلاد البشرية والمادية، من تبذير وسوء تدبير، وما ترسخ داخلها من فساد ولامبالاة..  الكل  يردد .. أن السيل بلغ الزبى، والقلوب صعدت إلى الحناجر، وأن الحزام جاوز الطبيين.. وهاهو الملك يعطي الانطلاقة لعهد جديد، وعلى الشعب ألا يقف وراءه جامدا ينتظر ما تجوده عليه الحياة والمستقبل.. المطلوب أن يكون الملك محاطا بالشعب .. من أمامه وخلفه وبجانبيه.. لكي لا يتسنى للخونة والانفصاليين التسلل والاندساس.. إن مؤسسات البلاد لا تزال تفتقر إلى الكفاءات والأخلاق والوطنية. وعلى المغاربة خوض معارك حقيقية من أجل تنقية وتطهير تلك المؤسسات، وإعادة هيكلتها.. وفي مقدمتها طبعا البرلمان.. لأن كل ما يعيشه المغرب من قصور في النماء والتنمية، يعود إلى تلك النخب التي تدعي تمثيل المغاربة، وتفرض نفسها على الشعب بالزور والتحايل والوعود الكاذبة… وهي رسالة واضحة لهؤلاء المطالبين بالملكية البرلمانية. ليدركوا حق الإدراك استحالة رهن المغرب والمغاربة بيد من ولجوا البرلمان من أجل الاسترزاق والتموقع، وتوريث مقاعده للأبناء والأحفاد..برلمانيون معظمهم رؤساء جماعات ترابية.. ناذرا ما يحضرون قبة البرلمان ولا مقرات جماعاتهم.. مبحوث عنهم من طرف من انتخبوهم.. لا يخجلون من الظهور في المناسبات الدينية والوطنية.. والادعاء بأنهم وراء إحداث مشاريع لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد.     

   

 الملكية البرلمانية تقتضي انتخابات تشريعية نزيهة، وترشيح طاقات وكفاءات داخل أحزاب سياسية مخلصة للوطن والمواطنين. وتقتضي تحالفات حزبية همها نهضة البلاد، والرقي بالعباد.. وتشكيل حكومة قادرة على فرض برامجها..

 

 وإلى أن ندرك فجر الملكية البرلمانية.. والتي سيكون ملك البلاد أول من يرحب بها. فلابد علينا نحن المغاربة، أن نعلن عن ثورة جديدة للملك والشعب.. تخوض معاركها ضد الفساد والاستبداد.. ولن نقبل بأن يمد بعض ممثلو مؤسسات الدولة أياديهم المتعفنة لمصافحة يد الملك،.. باعتبار أنهم هم من يمثلوا المغاربة.. والخلاصة أن الملك أكد بالملموس أنه صمام الأمان.. أعذر فيه وأنذر  وأكد أنه لن يتهاون في معاقبة كل فاسد ومتجبر  .. لأنه ببساطة نحن في بلد.. لا يمكن فيه الاعتماد على الحكومة والبرلمان..ولا الثقة في أعضاءهما..

 

لنجزم  إذن أن 24 أكتوبر 2017 هو بداية الربيع المغربي الحقيقي.. ونعلن عن مسار جاد لمسيرة يشارك فيها كل المغاربة.. من أجل رفع التحدي الملكي..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *