الرئيسية / اقلام حرة / 8 مارس.. والانتقاد القارس

8 مارس.. والانتقاد القارس

كلما بزغ فجر اليوم الثامن من شهر مارس، إلا ومارَس بعض الناس هوايتهم في انتقاد كل المبادرات الاجتهادية التي تقر للقوارير بدورهن في المجتمع، وتخلد تاريخهن الحافل بالإنجازات، وذلك إما طوعا لجهلهم وسوء فهمهم وذكوريتهم المتعالية، أو كرها لمن استوصى بالنساء خيرا في ذلك اليوم، أو سعى في الأرض ليشارك المرأة فرحتها ولو يوما واحدا؛فيكونوا بذلك قد أشهروا سيوف ألسنتهم، وفؤوس أقلامهم، ومعاول انتقادهم؛ ليدفنوا النساء ومن لم ينساهن في تراب النسيان، حينها لن تجد الموؤودة من يسألها بأي ذنب دفنت..

08 مارس؛ يوم أم عيد أم ذكرى ؟

إذا كنتَ من أصحاب اليوم العالمي للمرأة تَـنادى المنتقدون مصبِحون من ذوي العقلية الذكورية مطالبين بيوم عالمي للرجل، وإذا كنت من أصحاب العيد حاربوك وأخرجوك من الدين بدعوى الابتداع وزيادة عيد على العيدين الذين لا ثالث لهما، وإذا كنت من أصحاب الذكرى انهال عليك بعض الذكور (مزايدة لا غيرة) بالسب والشتم لأنك ذكرت المرأة ذكرى واحدة في يوم واحد؛ ليعلنوا أنك "مسخوط" عاق للمرأة، فسواء كنتَ يوميا أو عيديا أو ذاكريا فأنت مغبون أو ملعون أو مجنون.

فما لهم كيف يحكمون بأحكام لا تمت للنقل بأصل، ولا  تمتد للعقل بفصل ؟

إن بِـرَّك لأمك وتقبيل يديها دخولا وخروجا كل ساعة تكريم لها، وسلامك على جارتك وحسن خلقك معها كل يوم تكريم لها، وسؤالك كل أسبوع عن أختك البعيدة تكريم لها، واحترامك لصديقتك في كل حين تكريم لها، واجتهادك وطاعتك لمعلمتك في كل فصل تكريم لها، وحبك لِصُوَيْحبات جدتك المرحومة تكريم لها ولهن..

إن مفهوم العيد في اللغة : هو كل يوم فيه جمع، واشتق من "عاد" "يعود" أي عاد إليه، وقيل: اشتق من العادة لأنهم اعتادوه. ( أنظر لسان العرب، الجزء 9 ص 461 / القاموس المحيط  ص 386 / تاج العروس الجزء 8 ص 438).

والعيد في الاصطلاح : اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد. فالعيد يجمع أمورا:

منها :اليوم العائد، كعيد الفطر ويوم الجمعة.

ومنها : الاجتماع فيه.

ومنها : أعمال تتبع العبادات والعادات .

وعليه فإن إطلاق كلمة "العيد" على يوم معين كعيد المرأة وعيد  الأم وغيرهما  لا حرج فيه، وكما يقال لا مشاحة في الاصطلاح؛ لأن ذلك يبقى من العادات بشرط ألا تخالط تلك الاحتفالات والمبادرات بعض الأمور التي تخالف الشرع.

اتركوهن يفرحن ولو يوما واحدا

كثيرا ما نجد بعض المبادرات الفردية أو الجماعية التي تهتم بالمرأة في يومها العالمي، سواء عن طريق تكريمها أو تخليد تاريخها الذي يتجدد كل سنة، أو مساعدتها ماديا ومعنويا، كلٌّ حسب استطاعته واجتهاده؛ فإذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد ما دام لم يرتكب إثما في حق العباد ولا في حق رب العباد.

لكن الغريب في الأمر أن يأتيك شخص ما فيصب عليك جام غضبه؛  إما يلومك على التقصير( وهو العاق لأمه المعنف لزوجته الحارم لأخته المتحرش بموظفته) ، أو يتهمك بالابتداع والتغيير ( وهو الغارق في بحر الشهوات العالق في بطن حوت المحرمات)، أو ينعتك بحب الظهور والإشهار والتصوير ( وهو المختال المحتال ).

يا معشر المسلمين..

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم متحدثا عن يوم الجمعة: ( يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا..)

انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن ماجه في صحيحه وحسنه الإمام الألباني، نقول :

يا من قُلتَ أن أعيادنا اثنان لا ثالث لهما؛ فماذا تقول عن عيد الجمعة ؟فإن قلتَ شيئا فإنني أنتظرك أن تتفوه ببنتشفةعن عيد الاستقلال إن استطعت !!!

يا من قلتَ إن من العيب أن نخصص يوما وعيدا واحدا للمرأة ( رغم أننا نخصص كل الأيام لها كما سلف أن ذكرتُ )، فإذا سلَّمنا بمزايدتك هذه فهل يليق بالله عز وجل أن نخصص له عيدا واحدا في الأسبوع وهو الجمعة ؟ لماذا لا نجعل كل الأيام جُمَعا نغتسل فيها، ويخطب فينا الإمام وتقام الصلاة وتتلى سورة الكهف وتُرتقبُ ساعة الإجابة ؟! أليس هذا تقصير في حق الله عز وجل بناء على كلامك ؟ !

فالاحتفاء بالمرأة أو بالأم أو باللغة العربية… في الأيام الوطنية والعالمية بالتحديد، لا يعني أننا لا نحتفي بهم في الأيام الأخرى ولا نهتم بهم، كما أن الاحتفاء والفرح بعيد الجمعة بالتحديد والقيام ببعض الشعائر التعبدية التي انفرد بها هذا اليوم لا يدل على أننا لا نعبد الله عز وجل ولا نعظمه.

تلك إذن حجج تبطل انتقادك ودعواك، وتنقد بنيان كلامك، ولو استزدتني لزدتك، غير أن في الإشارة ما يغني عن العبارة، وفي التلميح ما يغني عن التصريح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *