عندما يصبح الإعلام ساحة معركة: هل ستنتصر الصحافة المغربية على تحديات الفساد والرقمنة؟

بقلم : سمير بوزيد
في السنوات الأخيرة، أصبحت الصحافة المغربية أكثر من مجرد ناقل للأخبار؛ فقد تحولت إلى ساحة معركة حقيقية بين الحقيقة والضغوط، بين الاستقلالية والتحديات، وبين التحول الرقمي والهوية الوطنية. أعتقد أن هذا التحول يعكس دينامية نقاشية حيوية ومتعددة الأبعاد، حيث تبرز ملفات الفساد، حرية التعبير، استقلالية الإعلام، والتحديات الرقمية في قلب المشهد الإعلامي الوطني. ومن هنا، يتضح أن متابعة هذه القضايا ليست مجرد اهتمام إعلامي، بل ضرورة وطنية تهم كل مواطن مغربي.
أولاً، لا يمكن الحديث عن الإعلام المغربي دون التطرق إلى الفساد، العدو الخفي الذي يهدد مستقبلنا. أؤكد أن الفساد ليس قضية بعيدة عن حياتنا اليومية، بل هو العائق الأكبر أمام فرص العمل وتحسين الخدمات وحتى مستقبل الأجيال القادمة. الصحافة المغربية، رغم التحديات، تلعب دورًا أساسيًا في كشف المستور وتفضح حالات الفساد. الجرأة التي أظهرتها بعض المنابر تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية دور الإعلام في محاربة الفساد، رغم المقاومة والتضييق أحيانًا.
سبق ونشرت في مقال على موقع “بديل برس” تأكيدًا على أن تعزيز الإطار الدستوري والقانوني للنهوض بحرية الصحافة والإعلام ساعدني على تعميق البحث والنقاش حول دور الإعلام والصحافة في التأثير على السياسات العمومية الخاصة بمحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة. أؤمن أن وسائل الإعلام تملك تأثيرًا قويًا في تشكيل الرأي العام، وهذا التأثير ينعكس بشكل مباشر على الجهود الوطنية في التحسيس والمتابعة والتقييم والمراقبة للسياسات الحكومية، خصوصًا تلك المتعلقة بمكافحة الفساد والاستراتيجيات الوطنية المعتمدة في هذا المجال.
كما اكدت أن إيصال المعلومة إلى جمهور واسع عبر استخدام طرق جديدة وتنظيم حملات توعية للرأي العام بهدف مكافحة الفساد وحماية المال العام، يتطلب منا جميعًا عدم التراخي في التحسيس بخطورة التعايش مع الفساد واعتباره أمرًا طبيعيًا. من الضروري نشر الوعي بوجوب الانتقال من مرحلة الوقاية من الفساد إلى مرحلة مكافحته ومحاربته بشكل فعّال.
وأضفت أن انخراطي، ووسائل الإعلام بكافة أنواعها، بشكل إرادي في محاربة ومكافحة الفساد كان له أثر إيجابي واضح على المجتمع، حيث ساهم في تحقيق التنمية المنشودة، وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال، والرفع من مستوى عيش المواطنين. (المصدر: موقع “بديل برس”، 2023)
ثانيًا، حرية التعبير ليست مجرد حق دستوري، بل هي أساس الديمقراطية. الدستور المغربي لسنة 2011 ينص في الفصل 25 على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، كما يؤكد الفصل 28 أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة. للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة” (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، 2022). كما يكفل القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، الصادر سنة 2018، حق المواطن في الوصول إلى المعلومات لدى الإدارة العمومية مع استثناءات محددة (وزارة العدل المغربية، 2018).
مع ذلك، تواجه حرية التعبير تحديات حقيقية في المغرب، منها القيود القانونية التي تفرضها بعض القوانين الجزائية، مثل تجريم الإهانة للملك أو المؤسسات الدستورية، وهو ما وثقته تقارير حقوقية دولية مثل منظمة هيومن رايتس ووتش (هيومن رايتس ووتش، 2020). هذه الضغوط تؤدي إلى حالة من الرقابة الذاتية بين الصحفيين، مما يحد من حرية التعبير الفعلية.
أما استقلالية الإعلام، فهي العمود الفقري لصحافة نزيهة وموضوعية. ينص الدستور المغربي على ضرورة تنظيم قطاع الصحافة “بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية” (دستور المملكة المغربية، 2011، الفصل 28). ومع ذلك، تشير تقارير عدة إلى ارتباط بعض وسائل الإعلام بمصالح سياسية أو اقتصادية، مما يؤثر على مصداقيتها. الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وسائل الإعلام، خصوصًا الصحافة الورقية، تضعف من قدرتها على الاستمرار وتزيد من هشاشتها، ما يجعل دعم الإعلام المستقل ضرورة وطنية (مركز دعم الإعلام، 2018).
التحول الرقمي، رغم ما يتيحه من فرص، جلب معه تحديات معقدة، منها انتشار الأخبار الزائفة، ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص الكفاءات المتخصصة، مما يضع الإعلام المغربي أمام تحدٍ كبير في مواكبة التطورات العالمية. كما أن المنافسة مع عمالقة الإنترنت العالمية تفرض على الصحافة المحلية تطوير استراتيجيات مبتكرة للحفاظ على جمهورها وتأثيرها.
لا يمكن أن نتحدث عن الإعلام دون الإشارة إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة التي يجب أن يعكسها الإعلام بموضوعية وجرأة، مثل البطالة والتعليم والصحة وارتفاع الأسعار. هذه القضايا تحظى باهتمام متزايد في وسائل الإعلام، لكنها تحتاج إلى تغطية أعمق وأكثر استمرارية لدعم الحوار الوطني والتغيير الإيجابي.
على المستوى الدولي، المغرب ملتزم بالمواثيق التي تكفل حرية التعبير، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19) الذي يقر هذا الحق مع بعض القيود الضرورية لحماية الأمن العام والحقوق الأخرى (الأمم المتحدة، 1966). كما تؤكد الخطابات الملكية السامية على أهمية حرية التعبير والإعلام المستقل كركيزة أساسية للتنمية والديمقراطية (الديوان الملكي المغربي، 2021).
في الختام، أود أن أوضح أن الصحافة المغربية ليست مجرد مهنة، بل فضاء يعكس نبض المجتمع وتطلعاته. متابعة هذه القضايا ليست فقط حقًا، بل واجب علينا كمواطنين واعين نريد وطنًا شفافًا وحُرًا. فلنكن جزءًا من هذا الحوار، وندعم الصحافة التي تكشف وتفضح وتحفز على التغيير. لأن مستقبلنا يبدأ من متابعة الحقيقة حتى آخر سطر.
قائمة المراجع
– المجلس الوطني لحقوق الإنسان. (2022). الرأي حول مشروع القانون رقم 71.17 المتعلق بالصحافة والنشر. الرباط: المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
– وزارة العدل المغربية. (2018). قانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. الرباط: وزارة العدل.
– هيومن رايتس ووتش. (2020). المغرب: حملة قمعية ضد حرية التعبير. نيويورك: منظمة هيومن رايتس ووتش.
– مركز دعم الإعلام. (2018). حرية التعبير في الدول المغاربية. تونس: مركز دعم الإعلام.
– دستور المملكة المغربية. (2011). دستور المملكة المغربية. الرباط: وزارة العدل.
– الأمم المتحدة. (1966). العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 19. نيويورك: الأمم المتحدة.
– الديوان الملكي المغربي. (2021). الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية. الرباط: الديوان الملكي.
– بوزيد، سمير. (2023). دور الصحافة في محاربة ومكافحة الفساد. موقع بديل برس.



